کد مطلب:280446 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:170

اضواء علی القص
قال رسول الله (ص) إن بنی إسرائیل لما هلكوا قصوا. [1] وقال سیكون بعدی قصاص لا ینظر الله إلیهم، [2] وأول من أمر بالقص، عمر بن الخطاب، روی الإمام أحمد عن السائب بن یزید قال: إنه لم یكن یقص علی عهد رسول الله (ص) ولا أبی بكر. كان أول من قص تمیم الداری. إستأذن عمر أن یقص علی الناس قائما فأذن له. [3] .

واستلم بنی أمیة أعلام القص بعد ذلك، روی أن عبد الملك بن مروان قال: إنا جمعنا الناس علی أمرین. رفع الأیدی علی المنابر یوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، [4] ولبس القص الزی الدینی فی عهد بنی أمیة، وذلك أن النبی (ص) كان یبدأ بالصلاة فی العیدین ثم یخطب بعد ذلك، ففعل بنی أمیة العكس. وبدؤوا بالخطبة لینشروا بذلك مذهبهم السیاسی بین الناس، روی الإمام مسلم عن أبی سعید الخدری.



[ صفحه 315]



أن رسول الله (ص). كان یخرج یوم الأضحی ویوم الفطر. فیبدأ بالصلاة.

فإذا صلی صلاته وسلم. قام فأقبل علی الناس وهم جلوس فی مصلاهم. فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس. أو كانت له حاجة بغیر ذلك أمرهم بها. [5] .

أما التغییر ففی ما رواه مسلم عن أبی سعید الخدری أن مروان خطب قبل الصلاة. فقال له أبو سعید: غیرتم والله. قال مروان: یا أبا سعید قد ذهب ما تعلم، فقال: ما أعلم والله خیر مما لا أعلم، قال مروان: إن الناس لم یكونوا یجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة وقد اختلف فی أول من سن هذه السنة، قال فی تحفة الأحوازی: اختلف فی أول من غیر ذلك، فروایة الإمام مسلم صریحة فی أن مروان أول من بدأ الخطبة قبل الصلاة، وقیل. سبقه إلی ذلك عثمان بن عفان، روی ابن المنذر بإسناد صحیح إلی الحسن البصری قال: أول من خطب قبل الصلاة عثمان، وروی أن مروان فعل ذلك تبعا لمعاویة، ومعاویة عندما قدم المدینة قدم الخطبة.. [6] .

وكان الإمام علی یتصدی للقصاصین وینهاهم عن القص، فعن أبی البحتری قال: دخل علی بن أبی طالب المسجد، فإذا رجل یخوف، فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل یذكر الناس، فقال: لیس برجل یذكر الناس. ولكنه یقول أنا فلان بن فلان. اعرفونی، فأرسل إلیه فقال:

أتعرف الناسخ من المنسوخ، قال: لا، فقال: أخرج من مسجدنا ولا تذكر فیه. [7] .



[ صفحه 316]



وبالجملة: قال فی الفتح الربانی: القص هو إخبار الناس بقص الماضین، وعمل ذلك مذموم شرعا، لأنه یصرف الناس عن الاشتغال بالعلوم الدینیة، ولم یعهد ذلك فی عصر النبی (ص). وقال ابن حبان. قال أبو حاتم: كان القصاصون یضعون الحدیث فی قصصهم، وكانوا إذا دخلوا بمساجد الجماعات ومحافل القبائل من العوام والرعاع أكثر جسارة علی وضع الحدیث، [8] كما وضعوا أحادیث تنافی عصمة الأنبیاء. فجعلتهم یخطؤن، ونسبوا إلی النبی (ص) أنه كان یسب ویلعن ویجلد بغیر سبب، ونسبوا إلیه أنه كان یسهو فی الصلاة وأنه كان ینسی آیات القرآن الكریم، وأرادوا من وراء تجرید النبی من العصمة أن یبرروا أخطاء الأمراء الذین جلدوا الشعوب وضیعوا الصلاة، وأن یعطوا للذین لعنهم الله علی لسان رسوله (ص). جواز المرور لتولی المراكز القیادیة.

ووضع القصاصون أحادیث تحمل بصمة أهل الكتاب، والصق بالتفسیر روایات وقصص لا یتصورها عقل ولا یجوز أن یفسر بها كتاب الله، ووضعوا فی هذه الأحادیث. أن الله یشغل حیزا من المكان، ویضحك وینتقل من مكان إلی آخر، وأنه یتألف من أعضاء، وهو عبارة عن هیكل مادی، وعین وید وأصابع وساق وقدم.

وبالجملة: كان القص وراء تغییب العقل ووطئه بالأقدام، وتحت سقفه إختل منهج البحث ومنهج التفكیر ومنهج الاستدلال، وعلی موائده لا تظهر القراءة النقدیة المتفحصة التقیمیة إلا بعد عناء شدید، وكان القص وراء إهمال الواجبات والتسامح فی المحرمات والتهاون بالسنن والمستحبات، وكان البذرة الأولی لظهور المبادئ والمنظمات الباطلة التی وضعت القوانین علی طبق أهوائهم وآرائهم، وعلی هذه المبادئ انقسمت الأمة إلی قوافل. وكل قافلة تتولی حزبا وتحبه. لأنها



[ صفحه 317]



تمیل إلی قوانینه وتحب القائمین علیه، وعلی رؤوس الجمیع الحجة قائمة. والله تعالی ینظر إلی عباده كیف یعملون.


[1] رواه الطبراني ورجاله موثقون وفيه الأجلح الكندي والأكثر علي توثيقه (الزوائد 189 / 1).

[2] رواه ابن فضالة في أماليه (كنز العمال 282 / 10).

[3] رواه أحمد والطبراني (الزوائد 190 / 1) والعسكري عن بشر بن عاصم (كنز 281 / 10) والمروزي عن أبي نضرة (كنز 281 / 10).

[4] رواه أحمد والبزار وقال ابن حجر إسناده جيد (الفتح الرباني 194 / 1).

[5] رواه مسلم (الصحيح 20 / 3).

[6] تحفة الأحوازي 74 / 3.

[7] رواه العسكري والمرزوي (كنز العمال 281 / 10) وانظر: كنز العمال 282 / 10.

[8] المجروحين / ابن حبان ص، 88 / 1.